فصل: تفسير الآية رقم (61)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الألوسي المسمى بـ «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبى وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ‏}‏ أخرج ابن أبي حاتم عن السدى أنها نزلت في جماعة من المنافقين منهم‏.‏ الحلاس بن سويد بن صامت‏.‏ ورفاعة ابن عبد المنذر‏.‏ ووديعة بن ثابت‏.‏ وغيرهم قالوا ما لا ينبغي في حقه عليه الصلاة والسلام فقال رجل منهم‏:‏ لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغ محمداً صلى الله عليه وسلم ما تقولون فيقع بنا‏.‏ فقال الحلاس‏:‏ بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أذن، وفي رواية أذن سامعة، وعن محمد بن إسحاق أنها نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحرث، وكان رجلاً آدم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له‏:‏ لا تفعل‏.‏ فقال‏:‏ إنما محمد صلى الله عليه وسلم أذن من حدثه شيئاً صدقه نقول شيئاً ثم نأتيه ونحلف له فيصدقنا، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحرث» وأرادوا سوّد الله تعالى وجوههم وأصمهم وأعمى أبصارهم بقولهم أذن أنه عليه الصلاة والسلام يسمع ما يقال له ويصدقه فيكون وصف ‏{‏أَذِنَ‏}‏ بما يفيد ذلك في كلامهم كشفاً له، وهي في الأصل اسم للجارحة، وإطلاقها على الشخص بالمعنى المذكور كما يؤيده بعض الروايات من باب المجاز المرسل على ما في المفتاح كإطلاق العين على ربيئة القوم حيث كانت العين هي المقصودة منه، وصرح غير واحد أن ذلك من إطلاق الجزء على الكل للمبالغة كقوله‏:‏

إذا ما بدت ليلى فكلى أعين *** وإن هي ناجتني فكلى مسامع

وقيل‏:‏ إنه مجاز عقلي كرجل عدل وفيه نظر، والمبالغة هنا على ما قيل في أنه يسمع كل قول باعتبار أنه يصدقه لا في مجرد السماع، وما قيل‏:‏ إن مرادهم بكونه عليه الصلاة والسلام أذنا تصديقه بكل ما يسمع من غير فرق بين ما يليق بالقبول لمساعدة أمارات الصدق له وبين ما لا يليق به فليس من قبيل إطلاق العين على الربيئة‏.‏ ولذا جعله بعضهم من قبيل التشبيه بالأذن في أنه ليس فيه وراء الاستماع تمييز حق عن باطل ليس بشيء يعتد به وقيل‏:‏ إنه على تقدير مضاف أي ذو أذن ولا يخفى أنه مذهب لرونقه، وجوز أن يكون ‏{‏أَذِنَ‏}‏ صفة مشبهة من أذن يأذن إذناً إذا استمع وأنشد الجوهري لقعنب‏:‏

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا *** مني وما سمعوا من صالح دفنوا

صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به *** وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا‏.‏‏.‏‏.‏

وعلى هذا هو صفة بمعنى سميع ولا تجوز فيه وما تأذى به النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون ما قالوه في حقه عليه الصلاة والسلام من سائر الأقوال الباطلة فيكون قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ‏}‏ الخ غير ما تأذى به‏.‏ ويحتمل أن يكون نفس قولهم ‏{‏هُوَ أُذُنٌ‏}‏ فيكون عطف تفسير و‏{‏يُؤْذُونَ‏}‏ مضارع آذاه والمشهور في مصدره أذى وأذاة وأذية وجاء أيضاً الإيذاء كما أثبته الراغب وقول صاحب القاموس ولا تقل إيذاء خطأ منه‏.‏

‏{‏قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ‏}‏ من قبيل رجل صدق فهو من إضافة الموصوف إلى الصفات للمبالغة في الجودة والصلاح كأنه قيل‏:‏ نعم هو إذن ولكن نعم الاذن، ويجوز أن تكون الإضافة على معنى في أي هو أذن في الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بأذن في غير ذلك، ويدل عليه قراءة حمزة ‏{‏وَرَحْمَةً‏}‏ فيما يأتي بالجر عطفاً على خير فإنه لا يحسن وصف الأذن بالرحمة ويحسن أن يقال أذن في الخير والرحمة، وهذا كما قال ابن المنير أبلغ أسلوب في الرد عليهم لأن فيه اطماعاً لهم بالموافقة على مدعاهم ثم كر عليهم بحسم طمعهم وبت أمنيتهم وهو كالقول الموجب‏.‏ وقرأ نافع ‏{‏أَذِنَ‏}‏ بالتخفيف في الموضعين وقرأ ‏{‏أَذِنَ‏}‏ بالتنوين فخير صفة له بمعنى خير المشدد أو أفعل تفضيل أو مصدر وصف به للمبالغة أو بالتأويل المشهور، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏يُؤْمِنُ بالله‏}‏ تفسير لكونه عليه الصلاة والسلام أذن خير لهم، أي يصدق بالله تعالى لما قام عنده من الأدلة والآيات الموجبة لذلك، وكون ذلك صفة خير للمخاطبين كما أنه خير للعالمين مما لا يخفى ‏{‏وَيُؤْمنُ للْمُؤْمنينَذ أي يصدقهم لما علم فيهم من الخلوص، والظاهر أن هذا مندرج في حيز التفسير لكن الغالب من المفسرين لم يبينوا وجهه كونه صفة خير للمخاطبين، نعم قال مولانا الشهاب‏:‏ إن المعنى هو أذن خير يسمع آيات الله تعالى ودلائله فيصدقها ويسمع قول المؤمنين فيسلمه لهم ويصدقهم به، وهو تعريض بأن المنافقين أذن شر يسمعون آيات الله تعالى ولا ينتفعون بها ويسمعون قول المؤمنين ولا يقبلونه، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع قولهم إلا شفقة عليهم لا أنه يقبله لعدم تمييزه عليه الصلاة والسلام كما زعموا، وبهذا يصح وجه التفسير فتدبر انتهى، ولا يخفى أن في إرادة هذا المعنى من هذا المقدار من الآية بعداً، وربما يقال‏:‏ إن المراد أنه عليه الصلاة والسلام يسمع قول المؤمنين الخلص ويصدقهم ولا يصدق المنافقين وإن سمع قولهم، وكون ذلك صفة خير للمخاطبين ءما باعتبار أنه قد ينجر إلى إخلاصهم لما أن فيه انحطاط مرتبتهم عن مرتبة المخلصين وإما باعتبار أن تصديقه صلى الله عليه وسلم للمؤمنين الخلص فيما يقولونه من الحق من متممات تصديقه آيات الله تعالى ولا شك في خيرية ذلك للمخاطبين بل ولغيرهم أيضاً فليفهم‏.‏

والأيمان في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يؤمن بالله‏}‏ بمعنى الاعتراف والتصديق كما أشرنا إليه ولذا عدى بالباء، وأما في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فهو بمعنى جعلهم في أمان من التكذيب فاللام فيه مزيدة للتقوية لأنه بذلك المعنى متعد بنفسه كذا قيل، وفيه أن الزيادة لتقوية الفعل المتقدم على معموله قلية‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ إنه قصد من الإيمان في الأول التصديق بالله تعالى الذي هو نقيض الكفر فعدى بالباء الذي يتعدى بها الكفر حملاً للنقيض على النقيض، وقصد من الإيمان في الثاني السماع من المؤمنين وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقهم لكونهم صادقين عنده فعدى باللام ألا ترى إلى قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صادقين‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 17‏]‏ حيث عدى الإيمان فيه باللام لأنه بمعنى التسليم لهم، وظاهر هذا أن اللام ليست مزيدة للتقوية كما في الأول، وكلام بعضهم يشعر ظاهره بزيادتها، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَرَحْمَةً‏}‏ عطف على ‏{‏أُذُنُ خَيْرٍ‏}‏ أي وهو رحمة، وفيه الأخبار بالمصدر والكلام في ذلك معلوم ‏{‏ءامَنُواْ مِنكُمْ والذين‏}‏ أي للذين أظهروا الإيمان حيث يقبله منهم لكن لا تصديقاً لهم في ذلك بل رفقاً بهم وترحماً عليهم ولا يكشف أسرارهم ولا يهتك أستارهم‏.‏

وظاهر كلام الخازن أن المراد ‏{‏مّنَ الكتاب يُؤْمِنُونَ‏}‏ المخلصون وذكر ‏{‏مّنكُمْ‏}‏ باعتبار أن المنافقين كانوا يزعمون أنهم مؤمنون والحق حمل ذلك على المنافقين وإسناد الإيمان إليهم بصيغة الفعل بعد نسبته إلى المؤمنين المخلصين بصيغة الفاعل المنبئة عن الرسوخ والاستمرار للإيذان بأن إيمانهم أمر حادث ماله من قرار ولعل العدول عن رحمة لكم إلى ما ذكر للإشارة إلى ذلك‏.‏ وقرأ ابن أبي عبلة ‏{‏رَحْمَةً‏}‏ بالنصب على أنه مفعول له لفعل مقدر دل عليه ‏{‏أُذُنُ خَيْرٍ‏}‏ أي يأذن لك م ويسمع رحمة وجوز عطفه على آخر مقدر أي تصديقاً لهم ورحمة لكم ‏{‏والذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله‏}‏ أي بأي نوع من الإيذاء كان وفي صيغة الاستقبال المشعرة بترتب الوعيد على الاستمرار على ما هم عليه إشعار بقبول توبتهم ‏{‏لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ أي بسبب ذلك كما ينبىء عنه بناء الحكم على الموصول وجملة الموصول وخبره مسوق من قبله عز وجل على نهج الوعيد غير داخل تحت الخطاب وفي تكرير الإسناد بإثبات العذاب الأليم لهم ثم جعل الجملة خبراً ما لا يخفى من المبالغة وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة مع الإضافة إلى الاسم الجليل لغاية التعظيم والتنبيه على أن أذيته عليه الصلاة والسلام راجعة إلى جنابه عز وجل موجبة لكمال السخط والغضب منه سبحانه‏.‏ وذكر بعضهم أن الأيذاء لا يختص بحال حياته صلى الله عليه وسلم بل يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أيضاً وعدوا من ذلك التكلم في أبويه صلى الله عليه وسلم بما لا يليق وكذا إيذاء أهل بيته رضي الله تعالى عنهم كإيذاء يزيد عليه ما يستحق لهم وليس بالبعيد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ‏}‏ الخطاب للمؤمنين وكان المنافقون يتكلمون بما لا يليق ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالأيمان ليعذروهم ويرضوا عنهم‏.‏ أخرج ابن المنذر‏.‏ وابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن رجلاً من المنافقين قال‏:‏ والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا ولئن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقاً لهم شر من الحمر، فسمعها رجل من المسلمين فقال‏:‏ والله إن ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم لحق ولأنت شر من الحمار، فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال‏:‏ ما حملك على الذي قلت‏؟‏ فجعل يلتعن ويحلف بالله تعالى ما قال ذلك وجعل الرجل المسلم يقول‏:‏ اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل سبحانه في ذلك‏:‏ ‏{‏يَحْلِفُونَ‏}‏ الخ أي يحلفون لكم أنهم ما قالوا ما نقل عنهم مما يورث أذاة النبي صلى الله عليه وسلم ليرضوكم بذلك‏.‏ وعن مقاتل والكلبي أنها نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم منها أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلفهم ويعتلون ويحلفون‏.‏

وأنكر بعضهم هذا مقتصراً على الأول ولعله رأى ذلك أوفق بالمقام، وإنما أفرد إرضاءهم بالتعليل مع أن عمدة أغراضهم إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم للإيذان بأن ذلك بمعزل عن أن يكون وسيلة لإرضائه عليه الصلاة والسلام وأنه صلى الله عليه وسلم إنما لم يكذبهم رفقاً بهم وستراً لعيوبهم لا عن رضى بما فعلوا وقبول قلبي لما قالوا ‏{‏وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ‏}‏ أي أحق بالإرضاء من غيره ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والموافقة لأمره وإيفاء حقوقه عليه الصلاة والسلام في باب الإجلال والاعظام حضوراً وغيبة، وأما الإيمان فإنما يرضى بها من انحصر طريق علمه في الأخبار إلى أن يجيء الحق ويزهق الباطل، والجلمة في موضع الحال من ضمير ‏{‏يحلفون‏}‏ والمراد ذمهم بالاشتغال فيما لا يعنيهم والاعراض عما يهمهم ويجديهم‏.‏

وتوحيد الضمير في ‏{‏يُرْضُوهُ‏}‏ مع أن الظاهر بعد العطف بالواو التثنية لأن إرضاء الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينفك عن إرضاء الله تعالى و‏{‏مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 80‏]‏ فلتلازمهما جعلا كشيء واحد فعاد إليهما الضمير المفرد، أو لأن الضمير مستعار لاسم الإشارة الذي يشار به إلى الواحد والمتعدد بتأويل المذكور، وإنما لم يثن تأدباً لئلا بجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير تثنية‏:‏ وقد نهى عنه على كلام فيه، أو لأنه عائد إلى رسوله والكلام جملتان حذف خبر الأولى لدلالة خبر الثانية عليه كما في قوله‏:‏

نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راض والرأي مختلف

أو إلى الله تعالى على أن المذكور خبر الجملة الأولى وخبر الجملة الثانية محذوف، واختار الأول في مثل ذلك التركيب سيبويه لقرب ما جعل المذكور خبراً له مع السلامة من الفصل بين المبتدأ والخبر، واختار الثاني المبرد للسبق، وقيل‏:‏ إن الضمير للرسول عليه الصلاة والسلام والخبر له لا غير ولا حذف في الكلام لأن الكلام في إيذاء الرسول عليه الصلاة والسلام وإرضائه فيكون ذكر الله تعالى تعظيماً له عليه الصلاة والسلام وتمهيداً فلذا لم يخبر عنه وخص الخبر بالرسول صلى الله عليه وسلم، ونظيره قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 48‏]‏ ولا يخفى أن اعتبار الأخبار عن المعطوف وعدم اعتبار خبر للمتدأ المعطوف عليه أصلاً مع أنه المستقل في الابتداء في غاية الغرابة، والفرق بين الآيتين مثل الشمس ظاهر ‏{‏إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ جواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كانوا مؤمنين إيماناً صادقاً في الظاهر والباطن فليرضوا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بما ذكر فإنهما أحق بالإرضاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ يَعْلَمُواْ‏}‏ أي أولئك المنافقون، والاستفهام للتوبيخ على ما أقدموا عليه من العظيمة مع علمهم بما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بو خامة عاقبتها‏.‏ وقرىء ‏{‏تَعْلَمُواْ‏}‏ بالتاء على الالتفات لزيادة التقريع والتوبيخ إذا كان الخطاب للمنافقين لا للمؤمنين كما قيل به‏.‏ وفي قراءة ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 14‏]‏ والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه، والعلم يحتمل أن يكون المتعدي لمفعولين وأن يكون المتعدي لواحد ‏{‏أَنَّهُ‏}‏ أي الشأن ‏{‏مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ‏}‏ أي يخالف أمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وأصل المحادة مفاعلة من الحد بمعنى الجهة والجانب كالمشاقة من الشق والمعاداة من العدوة بمعناه أيضاً فإن كان واحد من مباشري كل من الأفعال المذكورة في حد وشق وعدوة غير ما عليه صاحبه، ويحتمل أن تكون من الحد بمعنى المنع، و‏{‏مِنْ‏}‏ شرطية جوابها قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ‏}‏ على أن خبره محذوف أي فحق أن له نار جهنم، وقدر ذلك لأن جواب الشرط لا يكون إلا جملة وأن المفتوحة مع ما في حيزها مفرد تأويلاً، وقدر مقدماً لأنها لا تقع في ابتداء الكلام كالمكسورة، وجوز أن يكون المقدر خبراً أي الأمر أن له الخ، وقيل المراد فله نار جهنم وأن تكرير ‏{‏ءانٍ‏}‏ في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏أَنَّهُ‏}‏ توكيداً قيل‏:‏ وفيه بحث لأنه لو كان المراد فله وأن توكيداً لكان نار جهنم مرفوعاً ولم يعمل ‏{‏ءانٍ‏}‏ فيه، ولما فصل بين المؤكد والمؤكد بجملة الشرط، ولما وقع أجنبي بين فاء الجزاء وما في حيزه‏.‏ وأجيب بأنه ليس من باب التوكيد اللفظي بل التكرير لبعد العهد وهو من باب التطرية ومثل ذلك لا يمنع العمل ودخول الفاء‏.‏ ونظيره قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السوء بجهالة ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 119‏]‏ وقوله‏:‏

لقد علم الحي اليمانون أنني *** إذا قلت أما بعد أني خطيبها

وكم وكم‏.‏ وجعل الآية من هذا الباب نقله سيبويه في الكتاب عن الخليل وهو هو وليس ‏{‏زَعَمَ‏}‏ في كلامه تمريضاً له لأنه عادته في كل ما نقله كما بينه شراحه وجوّز أن يكون معطوفاً على ‏{‏أَنَّهُ‏}‏ وجواب الشرط محذوف أي ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فان له الخ‏.‏ وحاصله ألم يعلموا هذا وهذا عقيبه ولا يخفى بعده مع أن أبا حيان قال‏:‏ إنه لا يصح لأنهم نصوا على أن حذف الجواب إنما يكون إذا كان فعل الشرط ماضياً أو مضارعاً مجزوماً بلم وما هنا ليس كذلك‏.‏

وتعقبه بعضهم بأن ما ذكره ليس متفقاً عليه فقد نص ابن هشام على خلافه فكأنه شرط للأكثرية، والقول بأن حق العطف فيما ذكر أن يكون بالواو قال فيه الشهاب ليس بشيء إلا أن استحقاقه النار بسبب المحادة بلا شبهة، وقرىء‏.‏ ‏{‏فَانٍ‏}‏ بالكسر ولا يحتاج إلى توجيه لظهوره، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏خَالِداً فِيهَا‏}‏ حال مقدرة من الضمير المجرور ان اعتبر في الظرف ابتداء الاستقرار وحدوثه وانه اعتبر مطلق الاستقرار فالأمر واضح ‏{‏ذلك‏}‏ أي ما ذكر من العذاب ‏{‏الخزى العظيم‏}‏ أي الذل والهوان المقارن للفضيحة، ولا يخفى ما في الحمل من المبالغة، والجملة تذييل لما سبق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ‏}‏ أي من أن تنزل‏.‏ ويجوز أن يكون يحذر متعدياً بنفسه كما يدل عليه ما أنشد سيبويه من قوله‏:‏

حذر أموراً لا تضير وآمن *** ما ليس ينجيه من الأقدار

وأنكر المبرد كونه متعدياً لأن الحذر من هيئات النفس كالفزع، والبيت قيل‏:‏ إنه مصنوع، ورد ما قاله المبرد بأن من الهيآت ما يتعدى كخاف وخشي فما ذكره غير لازم ‏{‏عَلَيْهِمْ‏}‏ أي في شأنهم فإن ما نزل في حقهم نازل عليهم، وهذا إنما يحتاج إليه إذا كان الجار والمجرور متعلقاً بتنزل، وأما إذا كان متعلقاً بمقدر وقع صفة لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏سُورَةٌ‏}‏ كما قيل أي تنزل سورة كائنة عليهم من قولهم‏:‏ هذا لك وهذا عليك فلا كما لا يخفى إلا أنه خلاف الظاهر جداً‏.‏ والظاهر تعلق الجار بما عنده، وصفة سورة بقوله تعالى شأنه‏:‏ ‏{‏تُنَبّئُهُمْ‏}‏ أي المنافقين ‏{‏بِمَا فِي قُلُوبِهِم‏}‏ من الأسرار الخفية فضلاً عما كانوا يظهرونه فيما بينهم خاصة من أقاويل الكفر والنفاق، والمراد أنها تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم فينتشر فيما بين الناس فيسمعونها من أفواه الرجال مذاعة فكأنهم تخبرهم بها وإلا فما في قلوبهم معلوم لهم والمحذور عندهم إطلاع المؤمنين عليه لهم، وقيل‏:‏ المراد تخبرهم بما في قلوبهم على وجه يكون المقصود منه لازم فائدة الخبر وهو علم الرسول عليه الصلاة والسلام به، وقيل‏:‏ المراد بالتنبئة المبالغة في كون السورة مشتملة على أسرارهم كأنها تعلم من أحوالهم الباطنة ما لا يعلمونه فتنبئهم بها وتنعى عليهم قبائحهم، وجوز أن يكون الضميران الأولان للمؤمنين والثالث للمنافقين، وتفكيك الضمائر ليس بممنوع مطلقاً بل هو جائز عند قوة القرينة وظهور الدلالة عليه كما هنا، أي يحذر المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوب المنافقين وتهتك عليهم أستارهم وتفشي أسرارهم، وفي الأخبار عنهم بأنهم يحذرون ذلك إشعار بأنهم لم يكونوا على بت في أمر الرسول عليه الصلاة والسلام‏.‏ وقال أبو مسلم‏:‏ كان إظهار الحذر بطريق الاستهزاء فإنهم كانوا إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر كل شيء ويقول‏:‏ إنه بطريق الوحي يكذبونه ويستهزئون به لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏قُلِ استهزءوا‏}‏ فإنه يدل على أنه وقع منهم استهزاء بهذه المقالة‏.‏ والأمر للتهديد والقائلون بما تقدم قالوا‏:‏ المراد نافقوا لأن المنافق مستهزىء وكما جعل قولهم‏:‏ آمنا وما هم بمؤمنين مخادعة في البقرة جعل هنا استهزاء، وقيل‏:‏ إن ‏{‏يَحْذَرُ‏}‏ خبر في معنى الأمر أي ليحذر‏.‏ وتعقب بأن قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ‏}‏ ينبو عنه نوع نبوة إلا أن يراد ما يحذرون بموجب هذا الأمر وهو خلاف الظاهر، وكان الظاهر أن يقول‏:‏ إن الله منزل سورة كذلك أو منزل ما تحذرون لكن عدل عنه إلى ما في النظم الكريم للمبالغة إذ معناه مبرز ما تحذرونه من إنزال السورة، أو لأنه أعم إذ المراد مظهر كل ما تحذرون ظهوره من القبائح، وإسناد الإخراج إلى الله تعالى للإشارة إلى أنه سبحانه يخرجه إخراجاً لا مزيد عليه، والتأكيد لدفع التردد أو رد الإنكار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ‏}‏ عما قالوه ‏{‏لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ‏}‏ أخرج ابن المنذر‏.‏ وابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته إلى تبوك إذ نظر إلى أناس بين يديه من المنافقين يقولون‏:‏ أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام على ذلك فقال‏:‏ احبسوا على هؤلاء الركب فأتاهم فقال صلى الله عليه وسلم قلتم‏:‏ كذا وكذا قالوا‏:‏ يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب‏.‏ فنزلت» وأخرج ابن جرير‏.‏ وابن مردويه‏.‏ وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ قال رجل في غزوة تبوك ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل‏:‏ كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، قال عبد الله‏:‏ فأنا رأيت الرجل متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكيه وهو يقول‏:‏ يا رسول الله إنا كنا نخوض ونلعب ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول ما أمره الله تعالى به في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏قُلْ أبالله وءاياته وَرَسُولِهِ كُنتُمْ‏}‏ وجاء في بعض الروايات أن هذا المتعلق عبد الله بن أبي رأس المنافقين وهل أنكروا ما قالوه واعتذروا بهذا العذر الباطل أو لم ينكروه وقالوا ما قالوا فيه خلاف والإمام على الثاني وهو أوفق بظاهر النظم الجليل‏.‏

وأصل الخوض الدخول في مائع مثل الماء والطين ثم كثر حتى صار اسماً لكل دخول فيه تلويث وإذاء وأرادوا إنما نلعب ونتلهى لتقصر مسافة السفر بالحديث والمداعبة كما يفعل الركب ذلك لقطع الطريق ولم يكن ذلك منا على طريق الجد، والاستفهام للتوبيخ، وأولى المتعلق إيذاناً بأن الاستهزاء واقع لا محالة لكن الخطاب في المستهزأ به، أي قل لهم غير ملتفت إلى اعتذارهم ناعياً عليهم جناياتهم قد استهزأتم بمن لا يصح الاستهزاء به وأخطأتم مواقع فعلكم الشنيع الذي طالما ارتكبتموه، ومن تأمل علم أن قولهم السابق في سبب النزول متضمن للاستهزاء المذكور‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏لاَ تَعْتَذِرُواْ‏}‏ أي لا تشتغلوا بالاعتذار وتستمروا عليه فليس النهي عن أصله لأنه قد وقع، وإنما نهوا عن ذلك لأن ما يزعمونه معلوم الكذب بين البطلان، والاعتقدار قيل‏:‏ إنه عبارة عن محو أثر الذنب من قولهم‏:‏ اعتذرت المنازل إذا درست لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه واندراسه‏.‏

وقيل هو القطع ومنه يقال للقلفة عذرة لأنها تعذر أي تقطع وللبكارة عذرة لأنها تقطع بالافتراع، ويقال‏:‏ اعتذرت المياة إذا انقطعت فالعذر لما كان سبباً لقطع اللوم سمي عذراً، والقولان منقولان عن أهل اللغة وهما على ما قال الواحدي متقاربان ‏{‏قَدْ كَفَرْتُمْ‏}‏ أي أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول عليه الصلاة والسلام والطعن فيه ‏{‏بَعْدَ إيمانكم‏}‏ أي إظهاركم الإيمان وهذا وما قبله لأنه القوم منافقون فأصل الكفر في باطنهم ولا إيمان في نفس الأمر لهم‏.‏

واستدل بعضهم بالآية على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء ولا خلاف بين الأئمة في ذلك ‏{‏إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ‏}‏ لتوبتهم وإخلاصهم على أن الخطاب لجميع المنافقين أو لتجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء على أن الخطاب للمؤذين والمستهزئين منهم، والعفو في ذلك عن عقوبة الدنيا العاجلة ‏{‏نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ‏}‏ أي مصرين على النفاق وهم غير التائبين أو مباشرين له وهم غير المجتنبين‏.‏

أخرج ابن إسحق‏.‏ وابن المنذر‏.‏ وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال من خبر فيه طول‏:‏ كان الذي عفى عنه محشي بن حمير الأشجعي فتسمى عبد الرحمن وسأل الله تعالى أن يقتل شهيداً لا يعلم مقتله فقتل يوم اليمامة فلم يعلم مقتله ولا قاتله ولم ير له عين ولا أثر‏.‏

وفي بعض الروايات أنه لما نزلت هذه الآية تاب عن نفاقه وقال‏:‏ اللهم إني لا أزال أسمع آية تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم اجعل وفاتي قتلاً في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت فأصيب يوم اليمامة واستجيب دعاؤه رضي الله تعالى عنه‏.‏ ومن هنا قال مجاهد‏:‏ إن الطائفة تطلق على الواجد إلا الألف، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ الطائفة الواحد والنفر، وقرىء ‏{‏يعف‏}‏ و‏{‏لاَّ يُعَذّبُ‏}‏ بالياء وبناء الفاعل فيهما وهو الله تعالى‏.‏ وقرىء ‏{‏ءانٍ‏}‏ و‏{‏أَن تُعَذّبَ‏}‏ بالتاء والبناء للمفعول‏.‏ واستشكلت هذه القراءة بأن الفعل الأول مسند فيها إلى الجار والمجرور ومثله يلزم تذكيره ولا يجوز تأنيثه إذا كان المجرور مؤنثاً فيقال سير على الدابة ولا يقال سيرت عليها‏.‏ وأجيب بأن ذلك من الميل مع المعنى والرعاية له فلذا أنث لتأنيث المجرور إذ معنى ‏{‏نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ‏}‏ ترحم طائفة وهو من غرائب العربية، وقيل‏:‏ لو قيل بالمشاكلة لم يبعد، وقيل‏:‏ إن نائب الفاعل ضمير الذنوب والتقدير ان تعف هي أي الذنوب، ومن الناس من استشكل الشرطية من حيث هي بأنه كيف يصح أن يكون ‏{‏نُعَذّبْ طَائِفَةً‏}‏ جواباً للشرط السابق ومن شرط الشرط والجزاء الاتصال بطريق السببية أو اللزوم في الجملة وكلاهما مفقود في الجملة، وقد ذكر ذلك العز بن عبد السلام في أماليه ونقله عنه العلامة ابن حجر في ذيل الفتاوي وذكر أنه لم ير أحداً نبه على الجواب عنه لكنه يعلم من سبب النزول، وتكلم بعد أن ساق الخبر بما لا يخلو عن غموض، ولقد ذكرت السؤال وأنا في عنفوان الشباب مع جوابه للعلامة المذكور لدى شيخ من أهل العلم قد حلب الدهر أشطره وطلبت منه حل ذلك فأعرض عن تقرير الجواب الذي في الذيل وأظن أن ذلك لجهله به وشمر الذيل وكشف عن ساق للجواب من تلقاء نفسه فقال‏:‏ إن الشرطية اتفاقية نحو قولك‏:‏ إن كان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق وشرع في تقرير ذلك بما تضحك منه الثكلى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

وأجاب مولانا سري الدين‏:‏ بأن الجزاء محذوف مسبب عن المذكور أي فلا ينبغي أن يفتروا أو فلا يفتروا فلا بد من تعذيب طائفة، ثم قال‏:‏ فإن قيل هذا التقدير لا يفيد سببية مضمون الشرط لمضمون الجزاء‏.‏ قلت‏:‏ يحمل على سببيته للأخبار بمضمون الجزاء أو سببيته للأمر بعدم الاغترار قياساً على الأخبار، وقد حقق الكلام في ذلك العلامة التفتازاني عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ‏}‏ من سورة البقرة في حاشية الكشاف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ‏}‏ أي متشابهون في النفاق كتشابه أبعاض الشيء الواحد، والمراد الاتحاد في الحقيقة والصورة كالماء والتراب، والآية متصلة بجميع ما ذكر من قبائحهم، وقيل‏:‏ هي متصلة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 56‏]‏ والمراد منها تكذيب قولهم المذكور وإبطال له وتقرير لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَمَا هُم مّنكُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 56‏]‏ وما بعد من تغاير صفاتهم وصفات المؤمنين كالدليل على ذلك، و‏{‏مِنْ‏}‏ على التقريرين اتصالية كما في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» والتعرض لأحوال الإناث للإيذان بكمال عراقتهم في الكفر والنفاق ‏{‏يَأْمُرُونَ بالمنكر‏}‏ أي بالتكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف‏}‏ أي شهادة أن لا إله إلا الله وإلا قرار بما أنزل الله تعالى كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

وأخرج عن أبي العالية أنه قال‏:‏ كل منكر ذكر في القرآن المراد منه عبادة الأوثان والشيطان، ولا يبعد أن يراد بالمنكر والمعروف ما يعم ما ذكر وغيره ويدخل فيه المذكور دخولاً أولياً، والجملة استئناف مقرر لمضمون ما سبق مفصح عن مضادة حالهم لحال المؤمنين أو خير ثان ‏{‏وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ‏}‏ عن الانفاق في طاعة الله ومرضاته كما روي عن قتادة‏.‏ والحسن، وقبض اليد كناية عن الشح والبخل كما أن بسطها كناية عن الجود لأن من يعطي يمد يده بخلاف من يمنع، وعن الجبائي أن المراد يمسكون أيديهم عن الجهاد في سبيل الله تعالى وهو خلاف الشائع في هذه الكلمة ‏{‏نَسُواْ الله‏}‏ النسيان مجاز عن الترك وهو كناية عن ترك الطاعة فالمراد لم يطيعوه سبحانه ‏{‏فَنَسِيَهُمْ‏}‏ منه لطفه وفضله عنهم، والتعبير بالنسيان للمشاكلة ‏{‏إِنَّ المنافقين هُمُ الفاسقون‏}‏ أي الكاملون في التمرد والفسق الذي هو الخروج عن الطاعة والانسلاخ عن كل حتى كأنهم الجنس كله، ومن هنا صح الحصر المستفاد من الفصل وتعريف الخبر وإلا فكم فاسق سواهم‏.‏

والاظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير، ولعله لم يذكر المنافقات اكتفاء بقرب العهد، ومثله في نكتة الاظهار قوله سبحانه‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏وَعَدَ الله المنافقين والمنافقات والكفار‏}‏ أي المجاهرين فهو من عطف المغار، وقد يكون من عطف العام على الخاص ‏{‏نَارَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا‏}‏ حال مقدرة من مفعول ‏{‏وَعْدُ‏}‏ أي مقدرين الخلود، قيل‏:‏ والمراد دخولهم وتعذيبهم بنار جهنم في تلك الحال لما يلوح لهم يقدرون الخلود في أنفسهم فلا حاجة لما قاله بعضهم من أن التقدير مقدري الخلود بصيغة المفعول‏.‏

والإضافة إلى الخلود لأنهم لم يقدروه وإنما قدره الله تعالى لهم، وقيل‏:‏ إذا كان المراد يعذبهم الله سبحانه بنار جهنم خالدين لا يحتاج إلى التقدير، والتعبير بالوعد للتهكم نحو قول سبحانه‏:‏ ‏{‏فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 21‏]‏ ‏{‏هِىَ حَسْبُهُمْ‏}‏ عقاباً وجزاء أي فيها ما يكفي من ذلك، وفيه ما يدل على عظم عقابها وعذابها فإنه إذا قيل للمعذب كفى هذا دل على أنه بلغ غاية النكاية ‏{‏وَلَعَنَهُمُ الله‏}‏ أي أبعدهم من رحمته وخيره وأهانهم؛ وفي إظهار الاسم الجليل من الإيذان بشدة السخط ما لا يخفى ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ‏}‏ أي نوع من العذاب غير عذاب النار دائم لا ينقطع أبداً فلا تكرار مع ما تقدم، ولا ينافي ذلك ‏{‏هِىَ حَسْبُهُمْ‏}‏ لأنه بالنظر إلى تعذيبهم بالنار، وقيل‏:‏ في دفع التكرار إن ما تقدم وعيد وهذا بيان لوقوع ما وعدوا به على أنه لا مانع من التأكيد، وقيل‏:‏ إن الأول عذاب الآخرة وهذا عذاب ما يقاسونه في الدنيا من التعب والخوف في الفضيحة والقتل ونحوه، وفسرت الإقامة بعدم الانقطاع لأنها من صفات العقلاء فلا يوصف بها العذاب فهي مجاز عما ذكر‏.‏

وجوز أن يكون وصف العذاب بها كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏عيشةً رَّاضِيَةٍ‏}‏ ‏[‏القارعة‏:‏ 7‏]‏ فالمجاز حينئذ عقلي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏كالذين مِن قَبْلِكُمْ‏}‏ التفات من الغيبة إلى الخطاب للتشديد، والكاف في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف أي أنتم مثل الذين من قبلكم من الأمم المهلكة أو في حيز النصب بفعل مقدر أي فعلتم مثل الذين من قبلكم، ونحوه قول النمر يصف ثور وحش وكلاباً‏:‏

حتى إذا الكلاب قال لها *** كاليوم مطلوباً ولا طالباً

فإن أصله لم أر مطلوباً رأيته اليوم ولا طلبة كطلبة رأيتها اليوم فاختصر الكلام فقيل لم أر مطلوباً كمطلوب اليوم لملابسته له ثم حذف المضاف اتساعاً وعدم الباس، وقيل‏:‏ كاليوم وقدم على الموصوف فصار حالا للاعتناء والمبالغة وحذف الفعل للقرينة الحالية ووجه الشبه المعمولية لفعل محذوف، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أموالا وأولادا‏}‏ الخ تفسير للتشبيه وبيان لوجه الشبه بين المخاطبين ومن قبلهم فلا محل لها من الاعراب، وفيه إيذان بأن المخاطبين أولى وأحق بأن يصيبهم ما أصابهم ‏{‏فاستمتعوا بخلاقهم‏}‏ أي تمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا، وفي صيغة الاستفعال ما ليس في التفعل من الاستفادة والاستدامة في التمتع، واشقاق الخلاق من الخلق بمعنى التقدير وهو أصل معناه لغة ‏{‏فَاسْتَمْتَعْتُمْ بخلاقكم كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بخلاقهم‏}‏ ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم الخسيسة من الشهوات الفانية والتهائهم فيها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيداً لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم، ولذلك اختير الاطناب بزيادة ‏{‏فاستمتعوا بخلاقهم‏}‏ وهذا كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول أنت مثل فرعون كان يقتل بغير جرم ويعذب ويعسف وأنت تفعل مقله، ومحل الكافالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي استمتعتم استمتاعاً كاستمتاع الذين ‏{‏وَخُضْتُمْ‏}‏ أي دخلتم في الباطل ‏{‏كالذي خَاضُواْ‏}‏ أي كالذين فحذفت نونه تخفيفاً كما في قوله‏:‏

إن الذين حانت بفلج دماؤهم *** هم القوم كل القوم يا أم خالد

ويجوز أن أكون الذي صفة لمفرد اللفظ مجموع المعنى كالفوج والفريق فلوحظ في الصفة اللفظ وفي الضمير المغنى أو هو صفة مصذر محذوف أي كالخوض الذي خاضوه ورجح بعدم التكلف فيه، وقال الفراء‏:‏ إن الذي تكون مصدرية وخرج هذا عليه أي كخوضهم وهو كما قال أبو البقاء نادر، وهذه الجملة عطف على ما قبلها وحينئذ إما أن يقدر فيها ما يجعلها على طرزه لعطفها عليه أو لا يقدر إشارة إلى الاعتناء بالأول ‏{‏أولئك‏}‏ إشارة إلى المتصفين بالصفات المعدودة من المشبهين والمشبه بهم، وكونه إشارة إلى الأخير يقتضي أن يكون حكم المشبهين مفهوماً ضمناً ويؤدي إلى خلو تلوين الخطاب عن الفائدة إذ الظاهر حينئد أولئكم والخطاب لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام أو لكل من يصلح له أي أولئك المتصفون بما ذكر من القبائح ‏{‏حَبِطَتْ أعمالهم‏}‏ أي التي كانوا يستحقون بها أجوراً حسنة لو قارنت الإيمان، والحبط السقوط والبطلان والاضمحلال؛ والمراد لم يستحقوا عليها ثواباً وكرامة ‏{‏فِى الدنيا والاخرة‏}‏ أما في الآخرة فظاهر وأما في الدنيا فلأن ما حصل لهم من الصحة والسعة ونحوهما ليس الا بطريق الاستدراج كما نطقت به الآيات دون الكرامة ‏{‏وَأُوْلئِكَ‏}‏ الموصوفون بحبط الأعمال في الدارين ‏{‏هُمُ الخاسرون‏}‏ أي الكاملون في الخسران الجامعون لمباديه وأسبابه طرا‏.‏

وإيراد اسم الإشارة في الموضعين للأشعار بعلية الأوصاف المشار إليها للحبط والخسران‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ يَأْتِهِمْ‏}‏ أي المنافقين ‏{‏نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ أي خبرهم الذي له شأن واستفهام للتقرير والتحذير ‏{‏قَوْمُ نُوحٍ‏}‏ أغرقوا بالطوفان ‏{‏وَعَادٌ‏}‏ أهلكوا بالريح ‏{‏وَثَمُودُ‏}‏ أهلكوا بالرجفة، وغير الأسلوب في القومين لأنهم لم يشتهروا بنبيهم، وقيل‏:‏ لأن الكثير منهم آمن ‏{‏وَقَوْمِ إبراهيم‏}‏ أهلك نمروذ رئيسهم ببعوض وأبيدوا بعده لكن لا بسبب سماوي كغيرهم ‏{‏وأصحاب مَدْيَنَ‏}‏ أي أهلها وهم قوم شعيب عليه السلام أهلكوا بالنار يوم الظلة أو بالصيحة والرجفة أو بالنار والرجفة على اختلاف الروايات ‏{‏والمؤتفكات‏}‏ جمع مؤتفكة من الائتفاك وهو الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفل بالخسف، والمراد بها إما قريات قوم لوط عليه السلام فالائتفاك على حقيقته فإنها انقلبت بهم وصار عاليها سافلها وأمطر على من فيها حجارة من سجيل وإما قريات المكذبين المتمردين مطلقاً فالائتفاك مجاز عن انقلاب حالها من الخير إلى الشر على طريق الاستعارة كقول ابن الرومي‏:‏

وما الخسف أن تلقى أسافل بلدة *** أعاليها بل أن تسود الأراذل

لأنها لم يصبها كلها الائتفاك الحقيقي ‏{‏أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات‏}‏ استئناف لبيان نبئهم، وضمير الجمع للجميع لا للمؤتفكات فقط ‏{‏فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ‏}‏ أي فكذبوهم فأهلكهم الله تعالى فما كان الخ، فالفاء للعطف على ذلك المقدر الذي ينسحب عليه الكلام ويستدعيه النظام، أي لم يكن من عادته سبحاته ما يشبه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم، وقد يحمل على استمرار النفي أي لا يصدر منه سبحانه ذلك أصلا بل هو أبلغ كما لا يخفى‏.‏ وقول الزمخشري‏:‏ أي فما صح منه أن يظلمهم وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح مبني على الاعتزال‏.‏ ‏{‏ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏ حيث عرضوها بمقتضى استعدادهم للعقاب بالكفر والتكذيب، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار، وتقديم المفعول على ما قرره بعض الأفاضل لمجرد الاهتمام به مع مراعاة الفاصلة من غير قصد إلى قصر المظلومية عليهم على رأي من لا يرى التقديم موجباً للقصر كابن الأثير فيما قيل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏وَالْمُؤْمنُونَ وَالمُؤْمنَاتُ‏}‏ بيان لحسن حال المؤمنين والمؤمنات حالا ومآلا بعد بيان حال أضدادهم عاجلاً وآجلاً، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ‏}‏ يقابل قوله تعالى فيما مر‏:‏ ‏{‏بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 67‏]‏، وتغيير الأسلوب للإشارة إلى تناصرهم وتعاضدهم بخلاف أولئك؛ وقوله عز وجل‏:‏ ‏{‏يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر‏}‏ ظاهر المقابلة ‏{‏يَأْمُرُونَ بالمنكر‏}‏ الخ والكلام في المنكر والمعروف معروف، وقوله جل وعلا‏:‏ ‏{‏وَيُقِيمُونَ الصلاة‏}‏ في مقابلة ‏{‏نَسُواْ الله‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 67‏]‏ وقوله تعالى جده‏:‏ ‏{‏وَيُؤْتُونَ الزكواة‏}‏ في مقابلة ‏{‏يقبضون أَيْدِيهِمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 67‏]‏ وقوله تعبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ‏}‏ أي في سائر الأمور في مقابلة وصف المناقين بكمال الفسق والخروج عن الطاعة وقيل‏:‏ هو في مقابلة ‏{‏نَسُواْ الله‏}‏، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَيُقِيمُونَ الصلاة‏}‏ زيادة مدح، وقوله تعالى شأنه‏:‏ ‏{‏أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله‏}‏ في مقابلة ‏{‏فَنَسِيَهُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 67‏]‏ المفسر بمنع لطفه ورحمته سبحانه، وقيل‏:‏ في مقابلة ‏{‏إنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفاسقون‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 67‏]‏ لأنه بمعنى المتقين المرحومين، والإشارة إلى المؤمنين والمؤمنات باعتبار اتصافهم بما سلف من الصفات الجليلة، والاتيان بما يدل على البعد لما مر غير مرة‏.‏

والسين على ما قال الزمخشري وتبعه غير واحد لتأكيد الوعد وهي كما تفيد ذلك تفيد تأكيد الوعيد، ونظر فيه صاحب التقريب ووجه ذلك بأن السين في الإثبات في مقابلة لن في النفي فتكون بهذا الاعتبار تأكيداً لما دخلت عليه ولا فرق في ذلك بين أن يكون وعداً أو وعيداً أو غيرهما‏.‏ وقال العلامة ابن حجر‏:‏ ما زعمه الزمخشري من أن السين تفيد القطع بمدخولها مردود بأن القطع إنما فهم من المقام لا من الوضع وهو توطئة لمذهبه الفاسد في تحتم الجزاء ومن غفل عن هذه الدسيسة وجهه، وتعقبه الفهامة ابن قاسم بأن هذا لا وجه له لأنه أمر نقلي لا يدفعه ما ذكر ونسبة الغفلة للأئمة إنما أوجبه حب الاعتراض، وحينئذ فالمعنى أولئك المنعوتون بما فصل من النعوت الجليلة يرحمهم الله تعالى لا محالة ‏{‏أَنَّ الله عَزِيزٌ‏}‏ قوي قادر على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ يضع الأشياء مواضعها ومن ذلك النعمة والنقمة؛ والجملة تعليل للوعد وقوله تعالى‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏72‏)‏‏}‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَا‏}‏ في مقابلة الوعيد السابق للمنافقين المعبر عنه بالوعد تهكماً كما مر، ويفهم من كلام البعض أن قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏سَيَرْحَمُهُمُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 71‏]‏ بيان لإفاضة آثار الرحمة الدنيوية من التأييد والنصر وهذا تفصيل لآثار رحمته سبحانه الأخروية، والاظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير والأشعار بعلية الإيمان لما تعلق به الوعد، ولم يضم إليه باقي الأوصاف للإيذان بأنه من لوازمه ومسيتبعاته، والكلام في خالدين هنا كالكلام فيما مر ‏{‏ومساكن طَيّبَةً‏}‏ أي تستطيبها النفوس أو يطيب فيها العيش فالاسناد اما حقيقي أو مجازي‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم‏.‏ وابن مردويه عن الحسن قال‏:‏ سألت عمران بن حصين‏.‏ وأبا هريرة عن تفسير ‏{‏ومساكن طَيّبَةً‏}‏ فقالا‏:‏ على الخبير سقطت سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ «قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون على كل فراش امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة في كل مائدة سبعون لوناً من كل طعام في كل بيت سبعون وصيفاً ووصيفة فيعطي المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله» ‏{‏فِي جنات عَدْنٍ‏}‏ قيل‏:‏ هو علم لمكان مخصوص بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏جنات عَدْنٍ التى وَعَدَ الرحمن‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 61‏]‏ حيث وصف فيه بالمعرفة، ولما أخرجه البزار‏.‏ والدارقطني في المختلف والمؤتلف‏.‏ وابن مردويه من حديث أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «عدن دار الله تعالى لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة‏:‏ النبيون‏.‏ والصديقون‏.‏ والشهداء يقول الله سبحانه طوبى لمن دخلك» وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن في الجنة قصراً يقال له عدن حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد‏.‏ وعن ابن مسعود أنها بطنان الجنة وسرتها‏.‏ وقال عطاء بن السائب‏:‏ عدن نهر في الجنة جناته على حافاته‏.‏ وقيل‏:‏ العدن في الأصل الاستقرار والثبات ويقال‏:‏ عدن بالمكان إذا أقام‏.‏ والمراد به هنا الإقامة على وجه الخلود لأنه الفرد الكامل المناسب لمقام المدح أي في جنات إقامة وخلود، وعلى هذا الجنات كلها جنات عدن لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً والتغاير بين المساكن والجنات المشعر به العطف إما ذاتي بناء على أن يراد بالجنات غير عدن وهي لعامة المؤمنين وعدن للنبيين عليهم الصلاة والسلام والصديقين والشهداء أو يراد بها البساتين أنفسها وهي غير المساكن كما هو ظاهر، فالوعد حينئذ صريحاً بشيئين والمساكن فلكل أحد جنة ومسكن وإما تغاير وصفي فيكون كل منهما عاماً ولكن الأول باعتبار اشتمالها على الأنهاء والبساتين والثاني لا بهذا الاعتبار، وكأنه وصف ما وعدوا به أولاً بأنه من جنس ما هو أشرف الأماكن المعروفة عندهم من الجنات ذات الأنهار الجارية لتميل إليه طباعهم أول ما يقرع أسماعهم ثم وصفه بأنه محفوف بطيب العيش معرى عن سوائب الكدورات التي لا تكاد تخلو عنها أماكن الدنيا وأهلها وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ثم وصف بأنه دار إقامة بلا ارتحال وثبات بلا زوال ولا يعد هذا تكراراً لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏خالدين فِيهَا‏}‏ كما لا يخفى ثم وعدهم جل شأنه كما يفهم من الكلام هو ما أجل وأعلى من ذلك كله بقوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏ورضوان مّنَ الله‏}‏ أي وقدر يسير من رضوانه سبحانه ‏{‏أَكْبَرَ‏}‏ ولقصد إفادة ذلك عدل عن رضوان الله الأخضر إلى ما في النظم الجليل، وقيل‏:‏ إفادة العدول كون ما ذكر أظهر في توجه الرضوان إليهم، ولعله إنما لم يعبر بالرضا تعظيماً لشأن الله تعالى في نفسه لأن في الرضوان من المبالغة ما لا يخفى ولذلك لم يستعمل في القرآن إلا في رضاء الله سبحانه، وإنما كان ذلك أكبر لأنه مبدأ لحلول دار الإقامة ووصول كل سعادة وكرامة وهو غاية أرب المحبين ومنتهى أمنية الراغبين‏.‏

وقد أخرج الشيخان‏.‏ وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول لأهل الجنة‏:‏ يا أهل الجنة‏.‏ فيقولون‏:‏ لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول‏:‏ هل رضيتم‏؟‏ فيقولون‏:‏ ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعذ أحداً من خلقك‏.‏ فيقول‏:‏ ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون‏:‏ وأي شيء أفضل من ذلك يا ربنا‏؟‏ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً» ولعل عدم نظم هذا الرضوان في سلك الوعد على طرز ما تقدم مع عزته في نفسه لأنه متحقق في ضمن كل موجود ولأنه مستمر في الدارين ‏{‏ذلك‏}‏ أي جميع ما ذكر ‏{‏هُوَ الفوز العظيم‏}‏ دون ما يعده الناس فوزاً من خظوظ الدنيا فإنها مع قطع النظر عن فنائها وتغيرها وتنغصها بالآلام ليست بالنسبة إلى أدنى شيء من نعيم الآخرة إلا بمثابة جناج البعوض، وفي الحديث «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي منها كافراً شربة ماء» ولله در من قال‏:‏

تالله لو كانت الدنيا باجمعها *** تبقى علينا وما من رزقها رغدا

ما كان من حق حر أن يذل بها *** فكيف وهي متاع يضمحل غدا

وجوز أن تكون الإشارة إلى الرضوان فهو فوز عظيم يستحقر عنده نعيم الدنيا وحظوظها أيضاً أو الدنيا ونعيمها والجنة وما فيها، وعلى الاحتمالين لا ينافي قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏أَعَدَّ الله لَهُمْ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَا ذلك الفوز العظيم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 89‏]‏ فقد فسر فيه العظيم بما يستحقر عنده نعيم الدنيا فتدبر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين‏}‏ ظاهره يقتضي مقاتلة المنافقين وهم غير مظهرين للكفر ولا نحكم بالظاهر لأنا نحكم بالظاهر كما في الخبر ولذا فسر ابن عباس‏.‏ والسدى‏.‏ ومجاهد جهاد الأولين بالسيف والآخرين باللسان وذلك بنحو الوعظ والزام الحجة بناء على أن الجهاد بذل الجهد في دفع ما لا يرضى وهو أعم من أن يكون بالقتال أو بغيره فإن كان حقيقة فظاهر والأحمل على عموم المجاز‏.‏ وروي عن الحسن‏.‏ وقتادة أن جهاد المنافقين بإقامة الحدود عليهم‏.‏ واستشكل بأن إقامتها واجبة على غيرهم أيضاً فلا يختص ذلك بهم‏.‏ وأشار في الأحكام إلى دفعه بأن أسباب الحد في زمنه صلى الله عليه وسلم أكثر ما صدرت عنهم، وأما القول بأن المنافق بمعنى الفاسق عند الحسن فغير حسن‏.‏ وروي والعهدة على الراوي أن قراءة أهل البيت رضي الله تعالى عنهم ‏{‏جاهد الكفار‏}‏ والظاهر أنها لم تثبت ولم يروها إلا الشيعة وهم بيت الكذب ‏{‏واغلظ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي على الفريقين في الجهاد بقسميه ولا ترفق بهم‏.‏ عن عطاء نسخت هذه الآية كل شيء من العغو والصفح ‏{‏وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ‏}‏ استئناف لبيان أجل أمرهم إثر بيان عاجله‏.‏ وذكر أبو البقاء في هذه الثلاثة أوجه‏:‏ أحدها أنها واو الحال والتقدير افعل ذلك في حال استحقاقهم جهنم وتلك الحال حال كفرهم ونفاقهم، والثاني أنها جيء بها تنبيهاً على إرادة فعل محذوف أي واعلم أن مأواهم جهنم، والثالث أن الكلام محمول على المعنى وهو أنه قد اجتمع لهم عذاب الدنيا بالجهاد والغلظة وعذاب الآخرة بجعل جهنم مأواهم ‏{‏وَبِئْسَ المَصِير‏}‏ تذييل لما قبله والمخصوص بالذم محذوف أي مصيرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏يَحْلفُونَ بالله مَا قَالُواْ‏}‏ استئناف لبيان ما صدر منهم من الجرائم الموجبة لما مر‏.‏

أخرج ابن جرير‏.‏ وابن المندر‏.‏ وابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة خلفاء الأنصار فظهر الغفاري على الجهيني فقال عبد الله بن أبي للأوس انصروا أخاكم والله ما مثلنا ومثل محمد صلى الله عليه وسلم وحاشاه مما يقول هذا المنافق إلا كما قال القائل‏:‏ سمن كلبك يأكلك والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الأذل فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فجعل يحلف بالله تعالى ما قاله فنزلت‏.‏ وأخرج ابن اسحق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال‏:‏ لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين الجلاس بن سويد‏:‏ والله لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير فسمعهما عمير بن سعدفقال‏:‏ والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أثراً ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني ولاحداهما أشد علي من الأخرى فمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال الجلاس فحلف بالله تعالى ما قال ولقد كذب عليّ عمير فنزلت‏:‏

وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين أنها لما نزلت أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير قال‏:‏ وفت اذنك يا غلام وصدقك ربك وكان يدعو حين حلف الجلاس اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب‏.‏ وأخرج عن عروة أن الجلاس تاب بعد نزولها وقبل منه، وأخرج ابن جرير‏.‏ وأبو الشيخ‏.‏ والطبراني‏.‏ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة فقال‏:‏ انه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاء فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق العينين فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ علام تشتمني أنت وأصحابك‏؟‏ فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله تعالى ما قالوا حتى تجاوز عنهم وأنزل الله تعالى الآية، وإسناد الحلف إلى ضمير الجمع على هذه الرواية ظاهر وأما على الروايتين الأوليين فقيل‏:‏ لأنهم رضوا بذلك واتفقوا عليه فهو من إسناد الفعل إلى سببه أو لأنه جعل الكلام لرضاهم به كأنهم فعلوه ولا حاجة إلى عموم المجاز لأن الجمع بين الحقيق والمجاز جائز في المجاز العقلي وليس محلاً لخلاف، وإيثار صيغة الاستقبال في ‏{‏‏}‏ استئناف لبيان ما صدر منهم من الجرائم الموجبة لما مر‏.‏

أخرج ابن جرير‏.‏ وابن المندر‏.‏ وابن أبي حاتم عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة خلفاء الأنصار فظهر الغفاري على الجهيني فقال عبد الله بن أبي للأوس انصروا أخاكم والله ما مثلنا ومثل محمد صلى الله عليه وسلم وحاشاه مما يقول هذا المنافق إلا كما قال القائل‏:‏ سمن كلبك يأكلك والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الأذل فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فجعل يحلف بالله تعالى ما قاله فنزلت‏.‏

وأخرج ابن اسحق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال‏:‏ لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين الجلاس بن سويد‏:‏ والله لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمير فسمعهما عمير بن سعد فقال‏:‏ والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أثراً ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني ولاحداهما أشد علي من الأخرى فمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال الجلاس فحلف بالله تعالى ما قال ولقد كذب عليّ عمير فنزلت‏:‏

وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين أنها لما نزلت أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير قال‏:‏ وفت اذنك يا غلام وصدقك ربك وكان يدعو حين حلف الجلاس اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب‏.‏ وأخرج عن عروة أن الجلاس تاب بعد نزولها وقبل منه، وأخرج ابن جرير‏.‏ وأبو الشيخ‏.‏ والطبراني‏.‏ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة فقال‏:‏ انه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاء فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق العينين فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ علام تشتمني أنت وأصحابك‏؟‏ فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله تعالى ما قالوا حتى تجاوز عنهم وأنزل الله تعالى الآية، وإسناد الحلف إلى ضمير الجمع على هذه الرواية ظاهر وأما على الروايتين الأوليين فقيل‏:‏ لأنهم رضوا بذلك واتفقوا عليه فهو من إسناد الفعل إلى سببه أو لأنه جعل الكلام لرضاهم به كأنهم فعلوه ولا حاجة إلى عموم المجاز لأن الجمع بين الحقيق والمجاز جائز في المجاز العقلي وليس محلاً لخلاف، وإيثار صيغة الاستقبال في ‏{‏يَحْلِفُونَ‏}‏ على سائر الروايات لاستحضار الصورة أو للدلالة على تكرير الفعل وهو قائم مقام القسم، و‏{‏مَا قَالُواْ‏}‏ جوابه ‏{‏وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر‏}‏ هي ما حكي من قولهم والله ما مثلنا الخ أو والله لئن كان هذا الرجل صادقاً الخ أو الشتم الذي وبخ عليه عليه الصلاة والسلام، والجملة مع ما عطف عليها اعتراض ‏{‏وَكَفَرُواْ بَعْدَ إسلامهم‏}‏ أظهروا ما فيقلوبهم من الكفر بعد إظهار الإسلام وإلا فكفرهم الباطن كان ثابتاً قبل والإسلام الحقيق لا وجود له ‏{‏وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ‏}‏ من الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من غزوة تبوك‏.‏

أخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة بن اليمان قال «كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به وعمار يسوق أو أنا أسوق وعمار يقود حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثنى عشر راكباً قد اعترضوا فيها فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل عرفتم القوم‏؟‏ قلنا‏:‏ لا يا رسول الله كانوا متلثمين ولكن قد عرفنا الركاب قال‏:‏ هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة‏.‏ هل تدرون ما أرادوا‏؟‏ قلنا‏:‏ لا، قال‏:‏ أرادوا أن يزلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها قلنا‏:‏ يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث لك كل قوم برأس صاحبهم قال‏:‏ أكره أن يتحدث العرب عنا أن محمداً عليه الصلاة والسلام قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم، ثم قال‏:‏ اللهم ارمهم بالدبيلة، قلنا‏:‏ يا رسول الله وما الدبيلة‏؟‏ قال‏:‏ شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك» وكانوا كلهم كما أخرج ابن سعد عن نافع بن جبير من الأنصار أو من حلفائهم ليس فيهم قرشي، ونقل الطبرسي عن الباقر رضي الله تعالى عنه أن ثمانية منهم من قريش وأربعة من العرب لا يعول عليه‏.‏

وقد ذكر البيهقي من رواية ابن إسحاق أسماءهم وعد منهم الجلاس بن سويد، ويشكل عليه رواية أنه تاب وحسنت توبته مع قوله عليه الصلاة والسلام في الخبر «هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة» إلا أن يقال‏:‏ إن ذلك باعتبار الغالب، وقيل‏:‏ المراد بالموصول إخراج المؤمنين من المدينة على ما تضمنه الخبر المار عن قتادة، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى‏.‏ وأبو الشيخ عنه وعن أبي صالح أنهم أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج ويجعلوه حكماً ورئيساً بينهم وإن لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل‏:‏ أرادوا أن يقتلوا عميراً رده على الجلاس كما مر‏.‏

‏{‏وَمَا نَقَمُوا‏}‏ أي ما كرهوا وعابوا شيئاً ‏{‏إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ‏}‏ فالاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل أي وما نقموا الإيمان لأجل شيء إلا لإغناء الله تعالى إياهم فيكون الاستثناء مفرغاً من أعم العلل وهو على حد قولهم‏:‏ مالي عندك ذنب إلا أني أحسنت إليك‏.‏ وقوله‏:‏

ما نقم الناس من أمية إلا *** أنهم يحملون إن غضبوا

وهو متصل على إدعاء دخوله بناء على القول بأن الاستثناء المفرغ لا يكون منقطعاً، وفيه تهكم وتأكيد الشيء بخلافة كقوله‏:‏

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** البيت، وأصل النقمة كما قال الراغب الإنكار باللسان والعقوبة والأمر على الأول ظاهر وأما على الثاني فيحتاج إلى الاتكاب المجاز بأن يراد وجدان ما يورث النقمة ويقتضيه، وضمير ‏{‏أَغْنَاهُمُ‏}‏ للمنافقين على ما هو الظاهر، وكان إغناؤهم بأخذ الدية، فقد روي أنه كان للجلاس مولى قتل وقد غلب على ديته فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها اثنى عشر ألفاً فأخذها واستغنى، وعن قتادة أن الدية كانت لعبد الله بن أبي وزيادة الألفين كانت على عادتهم في الزيادة على الدية تكرماً وكانوا يسمونها شنقاً كما في الصحاح‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال‏:‏ كان جلاس تحمل حمالة أو كان عليه دين فأدى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَمَا نَقَمُواْ‏}‏ الآية، ولا يخفى أن الاغناء على الأول أظهر، وقيل‏:‏ كان إغناؤهم بما من الله تعالى به من الغنائم فقد كانوا كما قال الكلبي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة محاويج في ضنك من العيش فلما قدم عليه الصلاة والسلام أثروا بها، والضمير على هذا يجوز أن يكون للمؤمنين فيكون الكلام متضمناً ذم المنافقين بالحسد كما أنه على الأول متضمن لذمهم بالكفر وترك الشكر، وتوحيد ضير فضله لا يخفى وجهه ‏{‏فَإِن يَتُوبُواْ‏}‏ عما عم عليه من القبائح ‏{‏يَكُ‏}‏ أي التوب، وقيل‏:‏ أي التوبة ويغتفر مثل ذلك في المصادر‏.‏

وقد يقال‏:‏ التذكير باعتبار الخبر أعني قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏خَيْراً لَّهُمْ‏}‏ أي في الدارين، وهذه الآية على ما في بعض الروايات كانت سبباً لتوبته وحسن إسلامه لطفاً من الله تعالى به وكرماً ‏{‏وَإِن يَتَوَلَّوْا‏}‏ أي استمروا على ما كانوا عليه من التولي والاعراض عن إخلاص الإيمان أو أعرضوا عن التوبة‏.‏

‏{‏يُعَذّبْهُمُ الله عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدنيا‏}‏ بمتاعب النفاق وسوء الذكر ونحو ذلك، وقيل‏:‏ المراد بعذاب الدنيا عذاب القبر أو ما يشاهدونه عند الموت، وقيل‏:‏ المراد به القتل ونحوه على معنى أنهم يقتلون إن أظهروا الكفر بناءاً على أن التولي مظنة الإظهار فلا ينافي ما تقدم من أنهم لا يقتلون وأن الجهاد في حقهم غير ما هو المتبادر‏.‏

‏{‏والاخرة‏}‏ وعذابهم فيها بالنار وغيرها من أفانين العقاب ‏{‏وَمَا لَهُمْ فِى الارض‏}‏ أي في الدنيا، والتعبير بذلك للتعميم أي ما لهم في جميع بقاعها وسائر أقطارها ‏{‏مِن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ‏}‏ ينقذهم من العذاب بالشفاعة أو المدافعة، وخص ذلك في الدنيا لأنه لا ولي ولا نصير لهم في الآخرة قطعاً فلا حاجة لنفيه‏.‏

هذا ومن باب الإشارة في الآيات‏:‏ ‏{‏عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 43‏]‏ الخ فيه إشارة إلى علو مقامه صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه على سائر الأحباب حيث آذنه بالعفو قبل العتاب، ولو قال له‏:‏ لم أذنت لهم عفى الله عنك لذاب، وعبر سبحانه بالماضي المشير إلى سبق الاصطفاء لئلا يوحشه عليه الصلاة والسلام الانتظار ويشتغل قلبه الشريف باستمطار العفو من سحاب ذلك الوعد المدرار، وانظر كم بين عتابه جل شأنه لحبيبه عليه الصلاة والسلام على الأذن لأولئك المنافقين وبين رده تعالى على نوح عليه السلام قوله‏:‏

‏{‏إِنَّ ابنى مِنْ أَهْلِى‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 45‏]‏ بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏قَالَ يانوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ‏}‏ إلى قوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 46‏]‏ ومن ذلك يعلم الفرق وهو لعمري غير خفي بين مقام الحبيب ورتبة الصفى، وقد قيل‏:‏ إن المحب يعتذر عن حبيبه ولا ينقصه عنده كلام معيبه، وأنشد‏:‏

ما حطك الواشون عن رتبة *** كلا وما ضرك مغتاب

كأنهم أثنوا ولم يعلموا *** عليك عندي بالذي عابوا

وقال الآخر‏:‏

في وجهه شافع يمحو إساءته *** عن القلوب ويأتي بالمعاذير

وقال‏:‏

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيع

وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الذين يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الاخر‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 44‏]‏ فيه إشارة إلى أن المؤمن إذا سمع بخبر خير طار إليه وأتاه ولو مشيا على رأسه ويديه ولا يفتح فيه فاه بالاستئذان، وهل يستأذن في شرب الماء ظمآن‏؟‏

وقال الواسطي‏:‏ إن المؤمن الكامل مأذون في سائر أحواله إن قام قام بإذن وإن قعد قعد بإذن وإن لله سبحانه عباداً به يقومون وبه يقعدون، ومن شأن المحبة امتثال أمر المحبوب كيفما كان‏:‏

لو قال تيها قف على جمر الغضى *** لوقفت ممتثلاً ولم أتوقف

‏{‏إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الاخر‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 45‏]‏ الخ أي إنما يستأذنك المنافقون رجاء أن لا تأذن لهم بالخروج فيستريحوا من نصب الجهاد ‏{‏وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج لاعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً‏}‏ فقد قيل‏:‏

لو صح منك الهوى أرشد للحيل *** ولكن كره الله انبعائهم فثبطهم إشارة إلى خذلانهم لسوء استعدادهم ‏{‏وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 49‏]‏ لأن الأخلاق السيئة والأعمال القبيحة محيطة بهم وهي النار بعينها غاية الأمر انها ظهرت في هذه النشأة بصورة الأخلاق والأعمال وستظهر في النشأة الأخرى بالصورة الأخرى، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 54‏]‏ فيه إشارة إلى حرمانهم لذة طعم العبودية واحتجابهم عن مشاهدة جمال معبودهم وأنهم لم يعلموا أن المصلي يناجي ربه وأن الصلاة معراج العبد إلى مولاه، ومن هنا قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ «وجعلت قرة عيني في الصلاة»‏.‏ وقال محمد بن الفضل‏:‏ من لم يعرف الآمر قام إلى الأمر على حد الكسل ومن عرف الآمر قام إلى الأمر على حد الاستغنام والاسترواح، ولذا كان عليه الصلاة والسلام يقول لبلال‏:‏ ارحنا يا بلال وقول تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم‏}‏ فيه تحذير للمؤمنين أن يستحسنوا ما مع أهل الدنيا من الأموال والزينة فيحتجبوا بذلك عن عمل الآخرة ورؤيتها، وقد ذكروا أن الناظر إلى الدنيا بعين الاستحسان من حيث الشهوة والنفس والهوى يسقط في ساعته عن مشاهدة أسرار الملكوت وأنوار الجبروت، وقوله سبحانه‏:‏

‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءاتاهم الله وَرَسُولُهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 59‏]‏ الخ فيه إرشاد إلى آداب الصادقين والعارفين والمريدين، وعلامة الراضي النشاط بما استقبله من الله تعالى والتلذذ بالبلاء، فكل ما فعل المحبوب محبوب‏.‏

رؤى أعمى أقطع مطروح على التراب يحمد الله تعالى ويشكره، فقيل له في ذلك فقال‏:‏ وعزته وجلاله لو قطعني إرباً إرباً ما اذددت له إلا حباً، ولله تعالى در من قال‏:‏

أنا راض بالذي ترضونه لكم المنة عفواً وانتقاماً *** ثم إنه سبحانه قسم جوائز فضله على ثمانية أصناف من عباده فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء‏}‏ الخ، والفقراء في قول المتجردون بقلوبهم وأبدانهم عن الكونين ‏{‏والمساكين‏}‏ هم الذين سكنوا إلى جمال الانس ونور القدس حاضرين في العبودية بنفوسهم غائبين في أنوار الربوبية بقلوبهم فمن رآهم ظنهم بلا قلوب ولم يدر أنها تسرح في رياض جمال المحبوب، وأنشد‏:‏

مساكين أهل العشق ضاعت قلوبهم *** فهم أنفس عاشوا بغير قلوب

‏{‏والعاملين‏}‏ هم أهل التمكين من العارفين وأهل الاستقامة من الموحدين الذين وقعوا في نور البقاء فأورثهم البسط والانبساط، فيأخذون منه سبحانه ويعطون له، وهم خزان خزائن جودة المنفقون على أوليائه، قلوبهم معلقة بالله سبحانه لا بغيره من العرش إلى الثرى ‏{‏والمؤلفة قُلُوبُهُمْ‏}‏ هم المريدون السالكون طريق محبته تعالى برقة قلوبهم وصفاء نياتهم وبذلوا مهجهم في سوق شوقه وهم عند الأقوياء ضعفاء الأحوال ‏{‏وَفِي الرقاب‏}‏ هم الذين رهنت قلوبهم بلذة محبة الله تعالى وبقيت نفوسهم في المجاهدة في طريقه سبحانه لم يبلغوا بالكلية إلى الشهود فتارة تراهم في لجج بحر الإرادة، وأخرى في سواحل بحر القرب، وطوراً هدف سهام القهر، ومرة مشرق أنوار اللطف ولا يصلون إلى الحقيقة ما دام عليهم بقية من المجاهدة والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم والأحرار ما وراء ذلك وقليل ما هم‏:‏

أتمنى على الزمان محالا *** ان ترى مقلتاي طلعة حر

‏{‏والغارمين‏}‏ هم الذين ما قضوا حقوق معارفهم في العبودية وما أدركوا في إيقانهم حقائق الربوبية، والمعرفة غريم لا يقضي دينه ‏{‏وَفِى سَبِيلِ الله‏}‏ هم المحاربون نفوسهم بالمجاهدات والمرابطون بقلوبهم في شهود الغيب لكشف المشاهدات ‏{‏وابن السبيل‏}‏ هم السافرون بقلوبهم في بوادي الأزل وبأرواحهم في قفار الأبد وبعقولهم في طرق الآيان وبنفوسهم في طلب أهل الولايات ‏{‏فَرِيضَةً مّنَ الله‏}‏ على أهل الإيمان أن يعطوا هؤلاء الأصناف من مال الله سبحانه لدفع احتياجهم الطبيعي ‏{‏والله عَلِيمٌ‏}‏ بأحوال هؤلاء وغيبتهم عن الدنيا

‏{‏حيكم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 60‏]‏ حيث أوجب لهم ما أوجب، ومن الناس من فسر هذه الأصناف بغير ما ذكر ولا أرى التفاسير بأسرها متكفلة بالجمع والمنع ‏{‏حَكِيمٌ وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبى وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ‏}‏ عابوه عليه الصلاة والسلام وحاشاه من العيب بسلامة القلب وسرعة القبول والتصديق لما يسمع، فصدقهم جل شأنه ورد عليهم بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏قُلْ‏}‏ هو ‏{‏أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ‏}‏ أي هو كذلك لكن بالنسبة إلى الخير، وهذا من غاية المدح فإن النفس القدسية الخيرية تتأثر بما يناسبها، أي أنه عليه الصلاة والسلام يسمع ما ينفعكم وما فيه صلاحكم دون غيره، ثم بين ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُؤْمِنُ بالله‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 61‏]‏ الخ، وقد غرهم قاتلهم الله تعالى حتى قالوا ما قالوا كرم النبي صلى الله عليه وسلم لم يشافههم برد ما يقولون رحمة منهم بهم، وهو عليه الصلاة والسلام الرحمة الواسعة، وعن بعضهم أنه سئل عن العاقل فقال‏:‏ الفطن المتغافل وأنشد‏:‏

وإذا الكريم أتيته بخديعة *** فرأيته فيما تروم يسارع

فاعلم بأنك لم تخادع جاهلا *** إن الكريم لفضله متخادع

‏{‏المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ‏}‏ أي هم متشابهون في القبح والرداءة وسوء الاستعداد ‏{‏يَأْمُرُونَ بالمنكر وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ‏}‏ أي يبخلون أو يبغضون المؤمنين فهو إشارة إلى معنى قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الانامل مِنَ الغيظ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 119‏]‏ أو لا ينصرون المؤمنين أو لا يخشعون لربهم ويرفعون أيديهم في الدعوات ‏{‏نَسُواْ الله‏}‏ لاحتجابهم بما هم فيه ‏{‏فَنَسِيَهُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 67‏]‏ من رحمته وفضله ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 68‏]‏ وهو عذاب الاحتجاب بالسوى ‏{‏وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار‏}‏ هي جنات النفوس ‏{‏ومساكن طَيّبَةً‏}‏ مقامات أرباب التوكل في جناب الأفعال ‏{‏ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ‏}‏ إشارة إلى جنات الصفات ‏{‏ذلك‏}‏ أي الرضوان ‏{‏هُوَ الفوز العظيم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 72‏]‏ لكرامة أهله عند الله تعالى وشدة قربهم ولا بأس بإبقاء الكلام على ظاهره ويكون في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏ومساكن طَيّبَةً‏}‏ إشارة إلى الرؤية فإن المحب لا تطيب له الدار من غير رؤية محبوبه‏:‏

أجيراننا ما أوحش الدار بعدكم *** إذا غبتم عنها ونحن حضور

ولكون الرضوان هو المدار لكل خير وسعادة والمناط لكل شرف وسيادة كان أكبر من هاتيك الحنات والمساكن‏.‏

إذا كنت عني يا منى القلب راضيا *** أرى كل من في الكون لي يتبسم

نسأل الله تعالى رضوانه وأن يسكننا جنانه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله لَئِنْ ءاتانا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصالحين‏}‏ بيان لقبائح بعض آخر من المنافقين، والآية نزلت في ثعلب بن حاطب ويقال له ابن أبي حاطب وهو من بني أمية بن زيد، وليس هو البدري لأنه قد استشهد بأحد رضي الله تعالى عنه‏.‏

أخرج الطبراني‏.‏ والبيهقي في الدلائل‏.‏ وابن المنذر‏.‏ وغيرهم عن أبي أمامة الباهلي قال‏:‏ جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يا رسول الله ادع الله تعالى أن يرزقني مالاً‏.‏ فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ويحك يا ثعلبة أما تحب أن تكون مثلي فلو شئت أن يسير الله تعالى ربي هذه الجبال معي ذهباً لسارت‏.‏ قال‏:‏ يا رسول الله ادع الله تعالى أن يرزقني مالاً فوالذي بعثك بالحق أن آتاني الله سبحانه مالاً لأعطين كل ذي حق حقهُ، فقال‏:‏ ويحك يا ثعلبة قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيقه‏.‏ قال‏:‏ يا رسول الله ادع الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم أرزقه مالاً فاتخذ غنما فبورك له فيها ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهدها بالليل ثم نمت كما ينمو الدود فضاق به مكانه فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهدها بالليل ثم نمت كما ينمو الدود فتنحى وكان لا يشهد الصلاة بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نمت كما ينمو الدود فضاق به مكانه فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فأخبروه أنه اشترى غنماً وأن المدينة ضاقت به‏.‏ فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ويح ثعلبة بن حاطب ويح ثعلبة بن حاطب قم إن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الصدقات وأنزل ‏{‏خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 103‏]‏ الآية فبعث رجلين رجلاً من جهينة ورجلاً من بني سلمة بأخذان الصدقات وكتب لهما اسنان الإبل والغنم ويكف يأخذانها وأمرهما أن يمرا على ثعلبة ورجل من بني سليم فخرجا فمرا بثعلبة فسألاه الصدقة فقال‏:‏ أرياني كتابكما‏؟‏ فنظر فيه فقال‏:‏ ما هذا إلا جزية انطلقا حتى تفر غائم مرابي فانطلقا وسمع بهما السليمي فاستقبلهما بخيار ابله فقالا‏:‏ إنما عليك دون هذا فقال‏:‏ ما كنت أتقرب إلى الله تعالى إلا بخير مالي فقبلا فلما فرغا مرا بثعلبة فقال‏:‏ أرياني كتابكما‏؟‏ فنظر فيه فقال‏:‏ ما هذا إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى قدما المدينة فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يكلمهما‏:‏ ويح ثعلبة بن حاطب ودعا للسليمي بالبركة وأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله‏}‏ الآيات الثلاث فسمع بعض من أقاربه فأتاه فقال‏:‏ ويحك يا ثعلبة أنزل فيك كذا وكذا فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله هذه صدقة مالي‏.‏

فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ إن الله قد منعني أن أقبل منك فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى، ثم أتى أيا بكر رضي الله تعالى عنه فقال‏:‏ يا أبا بكر أقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الأنصار‏.‏ فقال أبو بكر‏:‏ لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلها فلم يقبلها أبو بكر، ثم ولى عمر رضي الله تعالى عنه فأتاه فقال‏:‏ يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل من صدقتي فقال‏:‏ لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا فأبى أن يقبلها، ثم ولى عثمان رضي الله تعالى عنه فلم يقبلها منه وهلك في خلافته‏.‏

وفي بعض الروايات أن ثعلبة هذا كان قبل ذلك ملازماً لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم حتى لقب حمامة المسجد ثم رآه النبي صلى الله عليه وسلم يسرع الخروج منه عقيب الصلاة فقالا عليه الصلاة والسلام له‏:‏ مالك تعمل عمل المنافقين‏؟‏ فقال‏:‏ إني افتقرت ولي ولامرأتي ثوب واحد أجيء به للصلاة ثم أذهب فأنزعه لتلبسه وتصلي به فادع الله تعالى أن يوسع على رزقي إلى آخر ما في الخبر‏.‏ والظاهر أن منع الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام عن القبول منه كان بوحي منه تعالى له بأنه منافق والصدقة لا تؤخذ منهم وان لم يقتلوا لعدم الإظهار، وحثوه للتراب ليس للتوبة من نفاقه بل للعار من عدم قبول زكاته مع المسلمين‏.‏

ومعنى هذا عملك هذا جزاء عملك وماقلته، وقيل‏:‏ المراد بعمله طلبه زيادة رزقه وهذا إشارة إلى المنع أي هو عاقبة عملك، وقيل‏:‏ المراد بالعمل عدم إعطائه للمصدقين‏.‏ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ثعلبة أتى مجلساً من مجالس الأنصار فأشهدهم لئن آتاني الله تعالى من فضله تصدقت منه وآتيت كل ذي حق حقه فمات ابن عم له فورث منه مالاً فلم يف بما عاهد الله تعالى عليه فأنزل الله تعالى فيه هذه الآيات‏.‏ وقال الحسن‏:‏ إنها نزلت في ثعلبة‏.‏ ومعتب بن قشير خارجا على ملأ قعود فحلفا بالله تعالى لئن آتانا من فضله لنصدقن فلما آتاهما بخلا‏.‏

وقال السائب‏:‏ إن حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام فأبطأ عليه فجهد لذلك جهداً شديداً فحلف بالله لئن أتانا الله من فضله يعني ذلك المال لأصدقن ولأصلن فلما آتاه ذلك لم يف بما عاهد الله تعالى عليه وحكى ذلك عن الكلبي، والأول أشهر وهو الصحيح في سبب النزول، والمراد بالتصدق قيل‏:‏ إعطاء الزكاة الواجبة وما بعده إشارة إلى فعل سائر أعمال البر من صلة الأرحام ونحوها‏.‏ وقيل‏:‏ المراد بالتصدق إعطاء الزكاة وغيرها من الصدقات وما بعده إشارة إلى الحج على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو إلى ما يعمه والنفقة في الغزو كما قيل‏.‏ وقرىء ‏{‏لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ‏}‏ بالنون الخفيفة فيهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا ءاتاهما مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ‏}‏ أم منعوا حق الله تعالى منه ‏{‏وَتَوَلَّواْ‏}‏ أي أعرضوا عن طاعة الله سبحانه، ‏{‏وَهُم مُّعْرِضُونَ‏}‏‏.‏ أي وعم قوم عادتهم الأعراض عن الطاعات فلا ينكر منهم هذا؛ والجملة مستأنفة أو حالية والاستمرار المقتضى للتقدم لا ينافي ذلك، والمراد على ما قيل‏:‏ تولوا باجرامهم وهم معرضون بقولبهم‏.‏